فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} الآية.
قال بعض العلماء هذا قسم من إبليس بإغواء الله له على أنه يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ويدل له أنه أقسم بعزته تعالى على ذلك في قوله: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82]. الآية وقيل الباء في قوله: {بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} سببية.
قوله تعالى: {أُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبليس أخبر أنه سيبذل جهده في إضلال بني آدم حتى يضل أكثرهم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {أَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17]، وقوله: {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء: 118]. الآية وقوله: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 62]، وهذا قاله إبليس قبل أن يقع ظنًا منه أنه يتمكن من إضلال أكثر بني آدم، وقد بين تعالى أنه صدق ظنه هذا بقوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين} [سبأ: 20]، وكل آية فيها ذكر إضلال إبليس لبني آدم بين فيها أن إبليس وجميع من تبعه كلهم في النار كما قال هنا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَاب} [الحجر: 43-44]. الآية، وقال في الأعراف: {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18]، وقال في سورة بني إسرائيل: {قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا} [الإسراء: 63]، وقال في ص: {قَالَ فالحق والحق أَقُولُ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 84-85].
{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما أوعد بأنه سيضل أكثر بني آدم استثنى من ذك عباد الله المخلصين معترفًا بأنه لا قدوة له على إضلالهم ونظيره قوله في ص أيضًا {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82-83]، وعباد الله المخلصون هم المرادون بالاستثناء في قوله في بني إسرائيل {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلًا} [الإسراء: 62]، وقوله في سبأ {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين} [سبأ: 20]، وهم الذين احترز منهم بقوله: {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17]، وبين تعالى في مواضع أخر أن الشيطان لا سلطان له على أولئك المخلصين كقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]. الآية وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99-100]. الآية وقوله: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} [سبأ: 21]. الآية، وقوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22]، وقوله: {المخلصين} قرأه ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو بكسر اللام فاعل وقرأه نافع والكوفيون بفتح اللام بصيغة اسم المفعول. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)}.
سؤاله النظِرة بعد إعلامه بأنه ملعون إلى يوم الدين فاض به خبث جبلته البالغ نهاية الخباثة التي لا يشفيها إلا دوام الإفساد في هذا العالم، فكانت هذه الرغبة مجلبة لدوام شقوته.
ولما كانت اللعنة تستمر بعد انعدام الملعون إذا اشتهر بين الناس بسوء لم يكن توقيتها بالأبد مقيدًا حياة الملعون، فلذلك لم يكن لإبليس غنى بقوله تعالى: {إلى يوم الدين} عن أن يسأل الإبقاء إلى يوم الدين ليكون مصدر الشرور للنفوس قضاء لما جبل عليه من بثّ الخُبث؛ فكان بذلك حريصًا على دوامها بما يوجه إليه من اللّعنة، فسأل النظرة حبًا للبقاء لما في البقاء من استمرار عمله.
وخاطب الله بصفة الربوبية تخضّعًا وحثًّا على الإجابة، والفاء في {فأنظرني} فاء التفريع.
فرع السؤال عن الإخراج.
ووسّط النداء بين ذلك.
وذُكرت هذه الحالة من أوصاف نفسيته بعثًا لكراهيته في نفوس البشر الذين يرون أن حق النفس الأبية أن تأنف من الحياة الذميمة المحقرة، وذلك شأن العرب، فإذا علموا هذا الحوص من حال إبليس أبغضوه واحتقروه فلم يرضوا بكل عمل ينسب إليه.
والإنظار: الإمهال والتأخير.
وتقدم في قوله: {فنظرة إلى ميسرة} في [سورة البقرة:280].
والمراد تأخير إماتته لأن الإنظار لا يكرن للذات، فتعين أنه لبعض أحوالها وهو الموت بقرينة السياق.
وعبر عن يوم الدين بـ {يوم يبعثون} تمهيدًا لما عقد عليه العزم من إغواء البشر، فأراد الإنظار إلى آخر مدة وجود نوع الإنسان في الدنيا.
وخلق الله فيه حب النظرة التي قدرها الله له وخلقه لأجلها وأجل آثارها ليحمل أوزار تبعة ذلك بسبب كسبه واختياره تلك الحالة، فإن ذلك الكسب والاختيار هو الذي يجعله ملائمًا لما خلق له، كما أومأ إلى ذلك البيان النبوي بقوله: «كل ميسر لما خلق له».
وضمير {يبعثون} للبشر المعلومين من تركيب خلق آدم عليه السلام، وأنه يكون له نسل ولاسيما حيث خلقت زوجه حينئذٍ فإن ذلك يقتضي أن يكون منهما نسل.
وعبر عن يوم البعث بـ {يوم الوقت المعلوم} تفنّنًا تفاديًا من إعادة اللفظ قضاء لحق حسن النظم، ولما فيه من التعليم بأن الله يعلم ذلك الأجل.
فالمراد: المعلوم لدينا.
ويجوز أن يراد المعلوم للناس أيضًا علمًا إجماليًا.
وفيه تعريض بأن من لم يؤمنوا بذلك اليوم من الناس لا يعبأ بهم فهم كالعدم.
وهذا الإنظار رمز إلهي على أن ناموس الشر لا ينقضي من عالم الحياة الدنيا وأن نظامها قائم على التصارع بين الخير والشر والأخيار والأشرار، قال تعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل} [سورة الأنبياء: 18]، وقال: {كذلك يضرب الله الحقّ والباطل} [سورة الرعد: 17].
فلذلك لم يستغن نظام العالم عن إقامة قوانين العدل والصلاح وإيداعها إلى الكفاة لتنفيذها والذّود عنها.
وعطفت مقولات هذه الأقوال بالفاء لأن كل قول منها أثاره الكلام الذي قبله فتفرّع عنه.
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}.
الباء في {بما أغويتني} للسببية، و{ما} موصولة، أي بسبب إغوائك إياي، أي بسبب أن خلقتني غاويًا فسأغوي الناس.
واللام في {لأزينن} لام قسم محذوف مراد بها التأكيد، وهو القسم المصرح به في قوله: {قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} [سورة ص: 82].
والتزيين: التحسين، أي جعل الشيء زينا، أي حسنًا.
وحذف مفعول {لأُزَينَنّ} لظهوره من المقام، أي لأزينن لهم الشر والسيئات فيرونها حسنة، وأزيّن لهم الإقبال على الملاذ التي تشغلهم عن الواجبات.
وتقدم عند قوله تعالى: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} في [سورة البقرة:212].
والإغواء: جعلهم غاوين.
والغّواية بفتح الغين: الضلال.
والمعنى: ولأضلنّهم.
وإغواء الناس كلهم هو أشد أحوال غاية المغوي إذ كانت غوايته متعدية إلى إيجاد غواية غيره.
وبهذا يعلم أن قوله: {بما أغويتني} إشارة إلى غَواية يعلمها الله وهي التي جبله عليها، فلذلك اختير لحكايتها طريقة الموصولية، ويعلم أن كلام الشيطان هذا طفح بما في جبلّته، وليس هو تشفّيًا أو إغاظة لأن العظمة الإلهية تصده عن ذلك.
وزيادة {في الأرض} لأنها أول ما يخطر بباله عند خطور الغواية لاقتران الغواية بالنزول إلى الأرض الذي دلّ عليه قوله تعالى: {فاخرج منها} [سورة الحجر: 34]، أي اخرج من الجنة إلى الأرض كما جاء في الآية الأخرى قال: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر} [سورة البقرة: 2]، ولأن جعل التزيين في الأرض يفيد انتشاره في جميع ما على الأرض من الذوات وأحوالها.
وضمائر: {لهم}، و{لأغوينهم} و{منهم}، لبني آدم، لأنه قد علم علمًا ألقي في وجدانهِ بأن آدم عليه السلام ستكون له ذرية، أو اكتسب ذلك من أخبار العالم العلوي أيام كان من أهله وملئه.
وجعل المُغْوَيْن هم الأصل، واستثنى منهم عباد الله المخلصين لأن عزيمته منصرفة إلى الإغواء، فهو الملحوظ ابتداء عنده، على أن المُغوَيْن هم الأكثر.
وعكسه قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك} [سورة الحجر: 42].
والاستثناء لا يُشعر بقلّة المستثنى بالنسبة للمستثنى منه ولا العكس.
وقرئ {المخلصين} بفتح اللام لنافع وحمزة وعاصم والكسائي على معنى الذين أخلصتَهم وطهّرتهم.
وبكسر اللام لابن كثير وابن عامر وأبي عَمرو، أي الذين أخلَصوا لك في العمل.
{قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)}.
الصراط المستقيم: هو الخبر والرشاد.
فالإشارة إلى ما يؤخذ من الجملة الواقعة بعد اسم الإشارة المبيّنة للإخبار عن اسم الإشارة وهي جملة {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}، فتكون الإشارة إلى غير مشاهَد تنزيلًا له منزلة المشاهد، وتنزيلًا للمسموع منزلة المرئي.
ثم إن هذا المنزل منزلة المشاهد هو مع ذلك غير مذكور لقصد التشويق إلى سماعه عند ذكره.
فاسم الإشارة هنا بمنزلة ضمير الشأن، كما يكتب في العهود والعقود: هذا ما قاضى عليه فلان فلانًا أنه كيَت وكيت، أو هذا ما اشترى فلان من فلان أنه باعه كذا وكذا.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى الاستثناء الذي سبق في حكاية كلام إبليس من قوله: {إلا عبادك منهم المخلصين} [سورة الحجر: 40]. لتضمنه أنه لا يستطيع غواية العباد الذين أخلصهم الله للخير، فتكون جملة {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} مستأنفة أفادت نفي سلطانه.
والصراط: مستعار للعمل الذي يقصِد منه عاملُه فائدةً.
شُبه بالطريق الموصل إلى المكان المطلوب وصوله إليه، أي هذا هو السُنّة التي وضعتُها في الناس وفي غوايتك إياهم وهي أنّك لا تغوي إلا من اتّبعك من الغاوين، أو أنك تغوي من عدا عبادي المخلصين.
و{مستقيم} نعت لـ {صراط}، أي لا اعوجاج فيه.
واستعيرت الاستقامة لملازمة الحالة الكاملة.
و{على} مستعملة في الوجوب المجازي، وهو الفعل الدائم التي لا يتخلّف كقوله تعالى: {إن علينا للهدى} [سورة الليل: 12]، أي أنّا التزمنا الهدى لا نحيد عنه لأنه مقتضى الحكمة وعظمة الإلهية.
وهذه الجملة مما يُرسل من الأمثال القرآنية.
وقرأ الجمهور {على} بفتح اللام وفتح الياء على أنها {على} اتصلت بها ياء المتكلم.
وقرأه يعقوب بكسر اللام وضم الياء وتنوينها على أنه وصف من العلوّ وصف به صراط، أي صراط شريف عظيم القدر.
والمعنى أن الله وضع سنّة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلّط إلا على من كان غاويًا، أي مائلًا للغواية مكتسبًا لها دون مَن كبحَ نفسه عن الشر.
فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان عَلم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه فإذا توفّق وحمل نفسه على اختيار الهُدى وصرف إليه عزمه قوي على الشيطان فلم يكن له عليه سلطان، وإذا مَال إلى الضلال واستحسنه واختار إرضاء شهوته صار متهيئًا إلى الغواية فأغواه الشيطان فغوَى.
فالاتباع مجاز بمعنى الطاعة واستحسان الرأي كقوله: {فاتبعوني يحببكم الله} [سورة آل عمران: 31].
وإطلاق {الغاوين} من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاويًا بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة.
وقد دلّ على هذا المعنى تعلّق نفي السلطان بجميع العباد، ثم استثناء من كان غاويًا.
فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاويًا علمنا أن ثمّة وصفًا بالغواية هو مهيَىءُ تسلطِ سلطان الشيطان على موصوفه.
وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل، أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها.
فالإضافة في قوله تعالى: {عبادي} للعموم كما هو شأن الجمع المعرّف بالإضافة، والاستثناء حقيقي ولا حَيرة في ذلك.
وضمير {مَوعدهم} عائد إلى {من اتبعك}، والموعد مكان الوعد.
وأطلق هنا على المصير إلى الله استعير الموعد لمكان اللقاء تشبيهًا له بالمكان المعين بين الناس للقاء معين وهو الوعد.
ووجه الشبه تحقّق المجيء بجامع الحرص عليه شأن المواعيد، لأن إخلاف الوعد محاور، وفي ذلك تَمليح بهم لأنهم ينكرون البعث والجزاء، فجُعلوا بمنزلة من عيّن ذلك المكان للإتيان.
وجملة {لها سبعة أبواب} مستأنفة لوصف حال جهنم وأبوابها لإعداد الناس بحيث لا تضيق عن دخولهم.
والظاهر أن السبعة مستعملة في الكثرة فيكون كقوله: {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب} [سورة الرعد: 23].؛ أو أريد بالأبواب الكناية عن طبقات جهنم لأن الأبواب تقتضي منازل فهي مراتب مناسبة لمراتب الإجرام بأن تكون أصول الجرائم سبعة تتفرع عنها جميع المعاصي الكبائر.
وعسى أن نتمكن من تشجيرها في وقت آخر.
وقد يكون من جملة طبقاتها طبقة النفاق قال تعالى: {إن المنافقين في الدرككِ الأسفل من النار} [سورة النساء: 145].
وانظر ما قدمناه من تفريع ما ينشأ عن النفاق من المذام في قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} في [سورة البقرة: 8].
وجملة {لكل باب منهم جزء مقسوم} صفة لـ: {أبواب} وتقسيمها بالتعيين يعلمه الله تعالى.
وضمير {منهم} عائد لـ: {من اتبعك من الغاوين}، أي لكل باب فريق يدخل منه، أو لكل طبقة من النار قسم من أهل النار مقسوم على طبقات أقسام النار.
واعلم أن هذه الأقوال التي صدرت من الشيطان لدى الحضرة القدسية هي انكشاف لجبلّة التطور الذي تكيّفت به نفس إبليس من حينَ أبى من السجود وكيف تولدَ كل فصل من ذلك التطور عما قبله حتى تقومت الماهية الشيطانية بمقوماتها كاملة عندما صدر منه قوله: {لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [سورة الحجر: 39، 40]، فكلّما حَدث في جبلّته فصْل من تلك الماهية صدر منه قول يدل عليه؛ فهو شبيه بنطق الجوارح بالشهادة على أهل الضلالة يوم الحساب.
وأما الأقوال الإلهية التي أجيبت بها أقوال الشيطان فمظهر للأوامر التكوينية التي قدّرها الله تعالى في علمه لتطور أطوار إبليس المقومة لماهية الشيطنة، وللألطاف التي قدرها الله لمن يعتصم بها من عباده لمقاومة سلطان الشيطان.
وليست تلك الأقوال كلها بمناظرة بين الله وأحد مخلوقاته ولا بغلبة من الشيطان لخالقه، فإن ضعفه تُجاهَ عزّة خالقه لا يبلغ به إلى ذلك. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36)}.
وكأن إبليس بهذا القول أراد أن يُفْلِتَ من الموت، ولكن مثل هذا المَكْر لا يجوز على الله أو معه، فإذا كان إبليس قد أراد أنْ يظلَّ في الدنيا إلى يوم بَعْث البشر؛ فذلك دليلٌ على أمنيته بالهروب من الموت.